moved to a new blog. click on the link

اهلا بك. من باب التطوير انتقلت لمدونة جديدة. كل ما تحتاجه الان ضغطة اخيرة على هذا الرابط. واسف على التاخير.

الثلاثاء، 30 ديسمبر 2008

الله يرحمك يا اسامه... والله يرحمنا معاك

المدونات او الblogs ينشأها اصحابها ليفضفضوا و يكتبو عن احاسيسهم وانفسهم. اليوم ساحقق هذا الشرط في هذه الرسالة.
 
في الساعة 6:01 صباحا من ثاني ايام هذا العام الهجري الجديد كنت قد صحيت للتو من النوم. دق الجوال عندها ليخبرني اني استلمت رسالة نصية. عادة لا اراجع المسجات فور وصولها فهي غالبا اما دبنهامز يخبرني بتخفيضاته او شركة اسمها ازدهار تعلن عن دورة تجميل الخط.
 
لكن هذه المرة فتحت الرسالة مباشرة. هي من صديقي عصام وفيها " توفي اخونا اسامة فجر هذا اليوم. نسال الله ان يتغمده برحمته" اسامة صديق عزيز عرفته من الشركة التي كنت اعمل بها في السابق.
 
ياسلام على اسامة. اسامة كان sharp لا تفوته فائته بسهوله. لا في العمل ولا الحياة. كل من يعرفه سيقول عنه هذا. حضرمي اصيل. خبير في امور الصحة و كباقي الحضارم متبحر في العسل و الحبة السوداء وباقي علوم الغذاء. ذكي و مخه نضيف. ولعلها من المفارقات ان يكون مخه هذا هو الذي كتبه الله سببا لوفاته. حيث انه مات بنزيف بالدماغ.
 
في بداية العام الماضي وبعد عودته مع اسرته من مشوار تسوق و تمشية احس بصداع. تواكبت بعدها الاحداث لنفجع به وعنده نزيف في الدماغ ادخله طاولة العمليات. نجحت العملية و خرج اسامة. زرناه في بيت والده فكاننا لم نقابله و لكن قابلنا شخصا يشبهه. يالله الطف بنا. ذهبت حدة الملاحظة التي كان يتحدى بها الصقور واصبح بالكاد يتابع و يفهم من يكلمه. ذهب ذلك الصوت الاذاعي القوي و الذي كان يرج و يهز غرف الاجتماعات وسمعنا بدلا منه صوت خفيف مبحوح و رفيع. ذهب ذلك الشموخ ولم نرى سوى جسد خاوي ضعيف فيه شخص اضعف.
 
منظر لن انساه طوال حياتي. في نهاية الزيارة ونحن نودعه اخذ يتوسل الينا وهو يبكي و يجهش "ادعولي يا اخواني, الله يخليكم ادعولي يا اخواني" ونحن نقول له "طيب طيب يا اسامة" ثم يكرر السؤال بإلحاح اكبر. كانه غريق يغرق في مرضه ويريدنا ان ننتشله. ونحن في قارب لكن لا نقوى على شئ. كانه شحات يشحت منا الدعوة بدلا من الريال. اسامة الشامخ الواثق يزله و يمرمطه المرض بهذا الشكل. لكنه لم يجزع, فلم يعترض او يسخط. فقط يامل ان نساعده بدعوة صادقة.
 
تحسن اسامة بشكل كبير. لدرجة انه عاد للعمل واستعاد كثيرا من عافيته.بل ان قبل اسابيع جائتني مكالة دار فيها الحوار الاتي:
 
الاخ ياسر بكر؟
نعم؟
كيف الحال؟ معاك فؤاد من جريدة الحياة. عندنا لك عرض. اشتراك لمدة سنتين في جريدة الحياة مقابل عشرة ريالات. ايش رايك؟
10 ريال؟ معقول؟ الموضوع غريب بصراحة؟
ابدا؟ليش غريب؟ بمجرد ما تعطينا وصف البيت و رقم بطاقة الائتمان حنبدا بالتوصيل من بكرة.

 
ونحن في هذا النقاش ضحك وقال لي "اشبك ياياسر. انا اسامة. كيف تصدق انه في اشتراك جرايد سنتين ب10 ريال؟" ضحكنا كثيرا في تلك المكالمه و تعرفنا على احوال بعضنا. ولله اعلم كان للمكالمة هدف اخر بالاضافة على السلام. فلأنه شخص شامخ وصاحب عزة نفس, كان الاتصال والضحك طريقته في قول شكرا على الزيارة و الدعاء. ولعله ايضا اراد ان يؤكد لمن رأه بتلك الحالة انه قد استعاد عافيته.
 
امرين غريبين في تلك المكالمه: الاول انه اختار جريدة اسمها "الحياة" و الثاني انه عندما قال "فؤاد" ذكر اسم عائلة لزميل اخر لنا مات قبل 4 سنوات.
 
رجع له النزيف. و لم ينجو منه هذه المرة. دفناه بعد ان صلينا عليه الظهر. و خلال الاسبوع الماضي كانت كل التعليقات بيننا حول الدعاء له. وكذلك اخذ العبرة. فان ماحصل لاسامة الشاب الصحيح عبرة لنا ودعوة لنفوق ونصحوا من مغريات الدنيا. فهاهو ذهب لربه وقامت قيامته.
 
احيانا (واتحدث هنا عن نفسي قبل غيري) ننظر للحدث وكانه حصل فقط لنعتبر به. اي ان موت الشاب هو ليعتبر الثلاثين او اربعين شاب من حوله فقط. نرى سيارته تجر للحراج لتباع وملابسة تعطى للجمعيات الخيرية وعائلته وقد تأقلمت مع مرور الوقت. فنحصل على درس عملي في كيف ان هذه الدنيا الجناح بعوضة "ماحدش ماخد منها حاجة" الا اجر عمله.
 
لكن انا اليوم اجد نفسي وقد قلبت الموضوع. فوضعته هو, اسامة, في المحور بدلا منا. لعله هو افضل حالا بموته شابا وليس انا الحي. نعم, فلعله ذهب لربه قبل ان تلوثه الاموال الفتن والمناصب. او لعلنا داخلين على زمن فتن فقبض الله خاصته حتى لا يقعوا او يخوضو فيها وبقيت انا. ونسال الله انه في الصراع مع المرض خلال 1429 قد طهره المرض وطاولة العمليات من ذنوبه. اما نحن ففي 1429 فالله يستر علينا هل المحصلة بالسالب ام الموجب.
 
نعم. قلبي يتقطع على اولاده الايتام. لكن نعلم قطعا و نؤمن انه لا يفكر فيهم الان. لايشغله سوى اسئلة "من ربك؟" "من نبيك" "مادينك". ثم مقعده في الاخرة. ولسنا ارحم بأولاده من الله.
 
الله يرحمك ويغفر لك يا اسامة. والله يرحمنا معاك.