looking at the big picture او النظر للصورة الكبيرة استعارة لغوية تعني أن ينظر الانسان للأمور بشمولية و بنظرة واسعة. لا تخف. الموضوع ليس فلسفي بل هو عملي للغاية. بل قد يكون اليوم من أهم مقومات النجاح في الحياة.
ففي العصر الحجري مثلا كانت مقومات البقاء و النجاح هي ايجاد المأوى والتحول من الفريسة للصياد. فلو وجدت كهف يحميك المطر و الافتراس وكونت مصادر غذاء تكون نجحت. في العصور الاوروبية المظلمة كان البقاء لصاحب السيف والقبيلة القوية. وفي العصر الصناعي كان لمن يمتلك ظهراً و سواعد قوية تمكنه من العمل. و في السنوات الأخيرة كانت مقومات البقاء والنجاح هي الشهادات و المعرفة.
قد يكون مفتاح الفترة القادمة مع من يمتلك القدرة على رؤية الصورة الكبيرة. لأنه بعد تهدم حدود و حواجز الجغرافيا و المعرفة لم يبقى مايقف في طريقك سوى قدرتك على رؤية الصورة الكبيرة.اكيد انك سمعت بكتاب thomas freedman و اسمه the world is flat. الكتاب يتحدث عن ان الفروقات الجغرافية في العالم لم تعد ذات معنى كبير. فما هو متوفر لمن يسكن نيويورك متوفر لمن يسكن بنجالور.
فاليوم, لو قررت العمل كمصمم خرائط لشركة في مجال التعدين في مناجم افريقيا, أو لو قررت التجارة و الاستثمار في صيد البغبغانات في أمريكا الجنوبية, أو الحصول على شهادة في علم النفس لأطفال ضحايا الكوارث فالأمر سهل جداً.أعني بسهل انه لا يلزم أن تكون متواجداً في مكان معين ولا أن تتكلف مبالغ كبيرة ولا أن تبذل جهد في الحصول على المعلومات.
اذا كان هذا كله سهل فما هو الصعب إذن؟ الصعب هو أن تمتلك النظرة الشمولية التي توجهك في الاتجاه الصحيح. النظرة الشمولية التي تساعدك اصلاً في تحديد جدوى و مستقبل وظيفة تصميم خرائط التعدين أو صيد البغبغانات أو علم النفس لأطفال ضحايا الكوارث. بالاضافة الى ان تستخدم النظرة هذه على نفسك لتقيم رغبتك و قدرتك على النجاح.
استعارة اخرى تشبه looking at the big picture هي having a helicopter view . فعندما تراقب مدينة مزدحمة مثلاً من هيلوكوبتر فإنك ترى الطرق ودرجة تعطل السير فيها. تعرف أن هذا الشارع مزدحم بسبب حادث بسيط وقد تم سحب السيارة المتضررة. لذا فإنه سينفك فيه الزحام بعد دقائق. أما ذلك الشارع فهو مغلق بسبب مرور موكب ويبدو أن الامر سيطول لأن الموكب لازال بعيداً. أما من هو في في سيارته في خضم الزحام لا يمتلك هذه الرؤيه.
اذا كان الحل في المثال اعلاه هو بالخروج من الزحام صعوداً بالهيلوكوبتر, فان الحل في الحياة هو ايضا الخروج من الزحام. ولكن من خلال استخدام النظرة الشمولية الواسعة.
هذه الرسالة لا تستحمل التفصيل في موضوع النظرة الشمولية للصورة الكبيرة وادواتها. ولكن اترك معك نصيحتين قد تساعد في ان تطور هذه القدرة. قرأتها و طبقتها و استفدت منها كثيرا:
اختر مجالاً بعيد تماما عنك وعن عملك و اهتماماتك (امراض السكر، القصص الكرتونية comics، تجارة البن و القهوة ،نظريات الفلسفة...). ثم أدخل قليلا في عالم هذا المجال. فلو إخترت امراض السكر مثلا قم بفهم المرض و معرفة آخر تطورات علاجة، القضايا الشائكة بخصوصه، صراعات الجمعيات الاجتماعية مع شركات حلويات الاطفال، المشاريع الاستثمارية المبنية على المرض،...). إذا كنت لا تحب القراءة فألجأ لليوتيوب. ماستستفيده هو انك ستدرب نفسك على كيفية الحصول على نظرة شمولية لأي أمر مستقبلي. وسترغم نفسك على أن تنظر في اي موضوع من كل الجوانب (العلمية، الاقتصادية،الاجتماعية، الدينية...).
ادخل الابداع في حياتك من خلال ممارسة احدى الانشطة الابداعية (رسم، طبخ، انشاد وغناء، تأليف...). فالابداع ينشط المخ ويقربك من ملكة النظرة الشمولية. أحد الكتب و اسمه a whole new mind يقترح ان تؤلف قصص قصيرة عدد كلماتها اقل من 50 كلمة. مثل القصة التالية:
"نام احمد متعبا قبل حتى ان تصل رأسه للمخدة. ولكنه حلم بان لصا دخل وسرقه ثم استبدل كل ماأخذ باشياء بنفس شكلها تماما. استيقظ مفزوعا. فالحلم كان حقيقيا للغاية. محتاراً و مضطرباً, ذهب للقاء اصحابه. دخل عليهم واخبرهم القصة. صمتوا جميعا وهم ينظرون فيه باستغراب. ثم قال له احدهم: لكن.......من انت!!!!".